lundi 15 septembre 2014

الشخصية التسويقية



 قد سميت هذه الظاهرة الشخصية التسويقية لأنها تقوم على ممارسة الشخص لذاته كسلعة، و لقيمته "كقيمة تبادلية" لا "كقيمة إنتفاعية"حيث أصبح الكائن البشري سلعة في "سوق الشخصيات". و لا تختلف معايير التقييم في سوق الشخصيات عن نظيرتها في سوق السلع. في واحدة تعرض السلع للبيع، و في الأخرى تعرض الشخصيات. و في الحالين قيمة المعروض هي قيمته التبادلية، حيث القيمة الإنتفاعية الإستعمالية شرط لازم و لكن ليس كافيا.

و على الرغم من أن نسبة المهارات و الصفات الإنسانية إلى مجمل الشخصية تختلف من إنسان لآخر إلا أن "عامل الشخصية" يلعب دائما الدور الحاسم، حيث يتوقف النجاح إلى حد كبير على كيفية إظهار الفرد "شخصيته"، كيف يجعل مجموع صفاته و شخصيته "صفقة" مقبولة.هل هو في مجمله "مرح"، "مقنع"، "مقتحم"، "طموح"، "يعتمد عليه"؟، و أكثر من ذلك، من أي وسط عائلي جاء؟ و إلى أي الأندية ينتسب؟ و أي الناس يعرف؟ و يتوقف نمط الشخصية المطلوبة إلى حد ما على طبيعة العمل. فكل من سمسار سوق الأوراق المالية، و مندوب المبيعات، و السكرتيرة، و أستاذ الجامعة، و مدير خط سكة الحديد، أو مدير الفندق، جب أن يقدم شخصية مختلفة عن الآخرين. و على الرغم من الإختلاف فيما بينهم إلا أن شرطا واحدا يجب أن يتحقق، و هو أن يكونوا مطلوبين.

و يتشكل موقف الإنسان من ذاته على النحو التالي:لم تعد الكفاءة و التأهيل لآداء عمل ما يكفيان، و إنما يجب أن ينجح في المباراة مع آخرين لإحراز النجاح. لو أن كسب العيش لا يتطلب إلا الإعتماد على معلومات الإنسان و خبرته و كفاءته لكان تقدير الإنسان لذاته متناسبا تناسبا طرديا مع قدراته، أي مع قيمته الإنتفاعية. و لكن، لما كان النجاح يتوقف إلى حد كبير على كيفية بيع الإنسان شخصيته فإن الإنسان يمارس ذاته كسلعة. أو بالأحرى كالبائع و السلعة المعروضة للبيع معا. و هكذا لا يصبح إهتمام الإنسان يدور حول حياته و سعادته، و إنما يصبح كل همه أن يباع و يشترى.

و هدف الشخصية التسويقية هو التلاؤم الكامل لكي يكون صاحبها، في كل الظروف، مطلوبا في سوق الشخصيات، لم يعد لصاحبها "أنا" كالذي كان للأفراد في القرن التاسع عشر، يتمسك بها و يتملكها و لا يغيرها، و إنما هو يغير هذا "الأنا"  باستمرار وفقا لقاعدة "أنا أكون كما تريدني أن أكون".

و أصحاب البنية الشخصية التسويقية أناس لا هدف لهم سوى أن يتحركوا، و أن يقوموا بأفعال بأعلى درجة من الكفاءة. و إذا ما سئلوا لماذا يجب أن يتحركوا بمثل هذه السرعة؟ و لماذا يجب أن يفعلوا أفعالا بأعلى درجة من الكفاءة؟ فإنهم لا يجيبون إجابة مقنعة، و إنما يقدمون تبريرات مثل: "من أجل خلق فرص عمل أكثر"، أو " من أجل أن تستمر الشركة في التطور و النمو". و هم لا يهتمون إهتماما واعيا على الأقل بالقضايا الفلسفية أو الدينية مثل: لماذا يعيش الإنسان؟ أو لماذا ينتهج طريقا في الحياة دون آخر؟ و لكل منهم "أنا" كبير الحجم دائم التغير و لكن بلا ذات، بلا جوهر أو إحساس بالهوية. "و أزمة الهوية" في المجتمع الحديث ناتجة في الحقيقة من أن أعضاء هذا المجتمع قد أصبحوا أدوات بلا ذوات، يستمدون هويتهم، فحسب، من العمل في إحدى الشركات الكبيرة أو غيرها من المؤسسات البيروقراطية العملاقة، و حيث لا توجد ذات حقيقية يستحيل وجود هوية.

و صاحب الشخصية التسويقية لا يحب و لا يكره، فهذه المشاعر التي عفا عليها الزمن لا تناسب بنية شخصية تقوم بكل وظائفها تقريبا على المستوى العقلي، و تتجنب الإنفعالات الوجدانية، بخيرها و شرها، لكيلا تتعثر المهمة الأساسية للشخصية التسويقية، ألا و هي البيع و المبادلة، أو بتعبير أدق فهي تقوم بمهمتها وفقا لما تمليه قواعد الآلة المهولة التي هي جزء منها، دون إثارة أي أسئلة باستثناء محاولة التأكد من أداء الوظيفة على نحو مرض، كما يدل على ذلك مدى صعودهم في السلم البيروقراطي.

و لما كان أصحاب الشخصية التسويقية لا يربطهم رابط بأنفسهم و لا بغيرهم فإنه لا قلق لديهم و لا اهتمامات، بالمعنى العميق للكلمة، لا لأنهم أنانيون إلى هذه الدرجة، و إنما لأن علاقتهم واهية بأنفسهم و بالآخرين.و هذا يفسر لماذا لا يعنيهم أمر الكوارث النووية أو البيئية التي تهددنا، على الرغم من أنهم يعرفون كل المعلومات المتعلقة بالموضوع. و ربما يفسر عدم اكتراثهم بالخطر الذي يهدد حياتهم بافتراض أن لديهم غيرة و شجاعة فائقن. غير أن عدم إكتراثهم بمصير أبنائهم و أحفادهم يستبعد هذا الإحتمال. إن فقدان الإكتراث على كل هذه المستويات هو نتيجة عدم وجود أي إرتباطات عاطفية حتى بأقرب الناس لديهم. و الحقيقة هي أنه لا أحد قريب من الشخصية التسويقية و لا حتى هي نفسها.


-إريك فروم (الإنسان بين الجوهر و المظهر)

-->أرى و الله أعلم أن هذه الشخصية تتجلى خاصة في إطار عروض الزواج أو البحث عن وظيفة!